المتواصل حول اغتيال الهاشمي، تفوق بأضعاف المرات على صعيد المساحة وعلى صعيد التنوع في جميع وسائل الإعلام على قتل أكثر من ٧٠٠ متظاهر بدم بارد لم يطلبوا أكثر من خبز وكرامة. هذه الطبول الاعلامية اعطت مكانة لهشام الهاشمي غير واقعية، وقد نسجت حولها هالة عاطفية واخلاقية، لتحقيق أهداف وسياسات محددة ومخططة لها، تشبه بالتزمير الإعلامي الذي نفخ لعبد الوهاب الساعدي عندما أقيل من جهاز مكافحة الارهاب من قبل عادل عبد المهدي وصورته في حينه بطلا قوميا أسوة بأبطال حروب قادسية صدام.
وأكثر من هذا فأن الكاظمي الذي رفع شعار الكشف عن قتلة المتظاهرين عندما تولى منصبه كرئيس للوزراء، ولكن لم نسمع ولم نرى أنه قام بزيارة لأحد بيوت المتظاهرين الذين قتلتهم نفس الجهة التي قتلت الهاشمي، ولم نسمع انه التقى بذويهم، وهنا يطرح سؤال هل لان هذا الرقم ٧٠٠ من المتظاهرين لا يساوي شيئا مقارنة بهشام الهاشمي الذي زار بيته الكاظمي والتقى بأسرته؟ طبعا نحن لا نريد ان ندخل في هذه المقارنة، لأن حياة البشر في عقيدتنا لا تقاس بالأرقام والاعداد، فالإنسان هو انسان، ولكن عندما تقتل كل هذه الاعداد، بينما يراهن الكاظمي وقتلة المتظاهرين من المليشيات على ذاكرة الجماهير كي يحولها الزمن الى ذاكرة السمكة، وتنسى ما حل بها، في حين أطلق تصريحات نارية ضد قتلة الهاشمي، فيجب التوقف عندها والتحدث بصوت عالي وتعرية وفضح كل السياسات التي قتلت صوت الحرية والمساواة وعالم افضل.
ان حصر اغتيال الهاشمي واختزاله الى قضية حصر السلاح بيد الدولة، والترويج لها من قبل ابواق حكومة الكاظمي ليس الا محاولة جهنمية في طمس الصراع بين النفوذ الايراني والامريكي في العراق وعملية حسم السلطة السياسية، والذي يعني بالتحليل الاخير الاستخفاف بعقول البشر في العراق. وإذا كان هذا هو جوهر القضية، فالسؤال المطروح من الذي قتل ٧٠٠ متظاهر بين القناصة وعمليات الاغتيال وجرح أكثر من ٢٠ ألف منهم. اوليس الكاظمي نفسه الذي شغل منصب مدير المخابرات قبل ترأسه لمجلس الوزراء، انه على علم بأن السلاح المستخدم في عمليات القنص والاغتيالات كان سلاح “الدولة”. وإذا لم يكن سلاح “الدولة”، لماذا لم تقلب الدنيا حول قتل المئات من الشباب بعمر الزهور من قبل وسائل الإعلام والمسؤولين في السفارة الامريكية والبريطانية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة…الخ. لماذا لم تتجاوز جميع مواقفهم حدود (القلق). لماذا لم نسمع من أولئك بأنهم سيحمون المتظاهرين وأن حياتهم غالية ويجب التدخل المباشر عبر المؤسسات الدولية لحماية المتظاهرين. الا ان اليوم نسمع من نفس اولئك حول عملية اغتيال الهاشمي من تعالي أصواتهم وإعلان تضامنهم وتقديم كل الدعم بما فيها العسكري لضرب المليشيات. او ليس نفس المليشيات التي قتلت الهاشمي هي نفسها قتلت المتظاهرين؟!!
إن ما نريد أن نبينه في المطاف الاخير ان تعظيم الهاشمي بهذا الشكل سواء تكريمه او تسمية شارع باسمه هو بمثابة قميص عثمان، هو سياسة تقوم بها الاطراف المنافسة للنفوذ الايراني في العراق وتريدها ذريعة لتحشيد راي العام وتعبئة المجتمع المحلي والدولي لضرب النفوذ الايراني في العراق والمنطقة التي يمثله هذه المليشيات.
إن اغتيال الهاشمي هو استمرار لسياسة قتل المتظاهرين، سياسة تجويع الجماهير، سياسة تحقير الانسان، سياسة الدوس على حياة البشر، ويجب تعبئة الراي العام لتقديم قتلة الجميع وليس الهاشمي وحده إذا أردنا ان نحقق الامن والامان والحرية لجماهير العراق، إذا أردنا أن نضع حدا للاستهتار الفاضح بحياة الانسان، وعلينا أن نضغط من أجل الكشف عن الاطراف التي تقف وراء تلك الاغتيالات وبشكل علني، واخيرا نؤكد من جديد على رفع شعار حل المليشيات وتحت أية عناوين كانت وتعبئة